الأدب

في انتظار اللقاء … قبل أن تبرد القهوة.

بقلم/ سالي جابر

هنا…

حيث هذا الكرسي الذي يحملنا برحلة إلى الماضي،

هذا الكرسي الرائع، حيث الدخان المتصاعد،

والأكواب الفارغة، والأفواه الفاغرة.

يقف بعيدًا النادل،

الذي يلف حول عنقه كوفيه تحميه من البرد،

ويأتي إليّ بكوب القهوة…

محبوبتي اليوم.

أراها وكأن الأبخرة التي تتصاعد منها

تتسابق إلى روحي،

لتسألني بصوت لا يُسمع إلا داخلي:

“لمن ستسافرين عبر الزمن… قبل أن أبرد؟”

تتصارع دقات قلبي…

سأقابلني من جديد.

أتحدث إليّ عن أخطاء حدثت،

عن كلمات قيلت،

عن فرصٍ كانت بيدي ثم ضيّعت،

عن أحلام وضعتُ بشرتها في أرض عطشى،

عن سفر لم أُعد له الزاد،

عن خطط قيلت ولم تُنفّذ،

عن أشياء أثقلت العاتقين ولم أجد مكانًا يحملها إلى الآن.

عن قلبٍ ضيّع الطريق فيما ضيّعه،

عن أبوابٍ كانت مغلقة، وما زلت أبحث عن مفتاحها،

عن مشاعر لم تبيح لها الظروف أن تسير على طريق الورود،

عن…

طاح خيالي

وأنا أتأمل أبي

وأحتضنه بعد فراق طويل.

أحكي له عمّا فعلتُ في سنوات طويلة من العمر،

عن حالات من الخوف والترقّب،

عن أقاصيص كتبتها بيدي

ووضعتها على قبره،

وجلست أراقب العصافير وهي تطعم طعامها من فوقه.

عن سلامي عليه،

عن دقات قلبي وأنا أجلس أمامه بالساعات نتحدّث،

وكأنه بجانبي.

نحتسب كوبًا من الشاي،

ونستمع لما تيسر من الذكر الحكيم…

عن عملي الجديد،

ودراستي الجديدة،

عن حكايات لم يعهدها،

عن قلب جديد… لم يشهده.

أو ربما… أقابل أمي،

لكن… لا،

ليس للعتاب مكان هنا.

هل أقول لها:

“فهمتكِ بعد أن أصبحتكِ،

بعد أن أنجبتُ، وتعبتُ،

وبكيتُ مثلك تمامًا.”

أم أنظر في عينيها وأكتفي بأن أضمها؟

ربما لا ينفع الكلام بعد الآن…

أو… أقابل ابني،

الذي تجرّع أخطائي كدواءٍ مرٍّ لا دواء له.

كنت أظن أنني أربيه،

لكن الحقيقة أنني كنت أتعلم من خلاله.

هل أقول له:

“سامحني إن اختبأتُ خلف الحب وأنا أُخطئ،

سامحني إن كان حضني دافئًا لكن صوتي جارحًا،

سامحني… لأنني الآن فقط… فهمت.”

وربما…

لا أقول شيئًا.

ربما أجلس فقط،

أنظر إليهم… إليّ… إليك…

حتى تبرد القهوة،

وأعود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى