
كتبت/ سالي جابر
أخصائية نفسية
تُعد الأمومة من أهم وأعقد الأدوار الإنسانية، فهي تتطلب تفرغًا عاطفيًا وجسديًا ومعرفيًا مستمرًا. ومع تعقّد الحياة الحديثة وتزايد الأعباء الأسرية والاقتصادية، تعاني كثير من الأمهات من صراعات داخلية متواصلة بين تحقيق الذات، وتربية الأبناء، وإدارة شؤون الأسرة.
أولاً: الصراع النفسي بين الذات والأمومة
1- فقدان الهوية الشخصية:
عندما تصبح المرأة أمًا، قد تنشغل تمامًا بمسؤوليات الأسرة لدرجة أن تنسى ذاتها، واهتماماتها السابقة. في السياق العربي، يشير عبد الكريم بكار (2010) إلى أن المرأة إذا لم تجد التوازن بين دورها كأم واهتماماتها الشخصية، قد تشعر بالفراغ أو الانطفاء الذاتي، مما يؤثر في جودة عطائها للأبناء.
2- ضغوط الكمال الاجتماعي:
يرى حامد زهران (2005) أن المجتمع أحيانًا يضع أمام الأم نموذجًا مثاليًا يصعب تحقيقه، مما يولد ضغطًا نفسيًا دائمًا، وشعورًا مستمرًا بالذنب تجاه أي تقصير طبيعي. هذه الضغوط الاجتماعية قد تؤدي إلى القلق المزمن أو الاكتئاب في حالات متقدمة.
ثانيًا: التحديات اليومية في تربية الأبناء.
1- السلوكيات الصعبة والتعامل العاطفي:
يتطلب التعامل مع المشكلات السلوكية للأطفال كالعناد أو نوبات الغضب، فهمًا نفسيًا وذكاءً تربويًا. يوضح مصطفى أبو سعد (2013) أن غياب التوجيه المعرفي والدعم الأسري للأم قد يزيد من التوتر، ويؤدي إلى ردود أفعال غير صحية في المواقف التربوية اليومية.
2- الإرهاق الجسدي والذهني:
كثرة المهام اليومية التي تقوم بها الأم تجعلها معرضة لما يعرف بـ”الاحتراق الأمومي”، وهو حالة من الإنهاك والتوتر المستمر. ويذكر الدويش (2002) أن توزيع المهام الأسرية بشكل عادل بين الوالدين يخفف من هذا الضغط، ويساهم في استقرار الأسرة.
ثالثًا: أثر غياب الدعم الأسري والمجتمعي:
1- ضعف الدعم الزوجي:
ضعف المشاركة من طرف الزوج في شؤون التربية قد يشعر الأم بأنها تعمل وحدها، مما يزيد من الأعباء النفسية. يرى الدويش (2002) أن دعم الزوج ومشاركته في المسؤوليات يُعد من أهم عوامل نجاح العملية التربوية.
2- غياب التوجيه المجتمعي:
تشير مجلة الطفولة والتنمية (2020) إلى أن كثيرًا من الأمهات يفتقرن إلى المعرفة التربوية الأساسية، مما يجعلهن أكثر عرضة للقلق والارتباك في المواقف التربوية، خاصة في المراحل العمرية الحساسة.
رابعًا: سبل الدعم والتخفيف:
1- التثقيف التربوي:
الاطلاع على أساليب التربية الحديثة، والالتحاق بدورات توعية تربوية يرفع من كفاءة الأم ويقلل من الضغوط. وقد أوصت تقارير المجلس العربي للطفولة والتنمية بأهمية إنشاء برامج دعم معرفي للأمهات في المجتمعات العربية.
2-الرعاية الذاتية:
من المهم أن تخصص الأم وقتًا للعناية بنفسها نفسيًا وجسديًا، فالاهتمام بالذات ليس أنانية بل ضرورة نفسية تساهم في التوازن التربوي والعائلي.
مشكلات الأم في تربية الأبناء ليست ظاهرة فردية، بل هي نتاج لتراكم ضغوط أسرية واجتماعية ونفسية. ولا يمكن تحقيق التوازن التربوي دون الاعتراف بهذه التحديات والعمل على دعم الأم معرفيًا وعاطفيًا ومجتمعيًا. فالأم المستقرة نفسيًا هي الركيزة الأولى لبناء أسرة متوازنة وجيل ناجح.