مقالات

معركة البحث عن الذات

بقلم: رانيا ضيف
قد نمر بلحظات فارقة تجعلنا نتوقف قليلا، نلتفت إلى الخلف، نعيد استحضار مواقف مرت منذ سنوات. لم ندرك حينها مغزاها أو الحكمة منها، لكن تنكشف لنا الأمور في توقيت يبدو مثاليًا، وكأن الزمن نفسه أراد أن يهدينا الإجابة بعد طول انتظار وبعدما نسينا!

‎قبل عشر سنوات، كنت أعيش حالة من الضياع الحقيقي. أسئلة لا تنتهي كانت تثقل كاهلي وتطرق عقلي بلا هوادة؛ لماذا أنا هنا؟ ما الذي أريده؟ ما شغفي؟ وما رسالتي؟ وقتها، كانت هذه التساؤلات تُطرح علينا بإلحاح خاصة على منصات التواصل الاجتماعي حتى أصبحت عبئًا جديدًا يُضاف إلى أعباء الحياة اليومية. أدركت لاحقًا أن كثيرًا مما سُوّق لنا في تلك الفترة لم يكن سوى استنزاف لطاقتنا واستغلال لبحثنا عن ذواتنا.

‎بدأتُ رحلتي مثل كثيرين، أتنقل بين الدورات التدريبية التي يقدمها أشهر الأسماء في مجال التنمية الذاتية. لكن هذا لم يكن كافيًا. قررت الانتقال إلى مستوى آخر: الجلسات الفردية، رغم تكلفتها الباهظة حينها، إذ بلغت تكلفة الجلسة لمدة ساعة واحدة مائة دولار. لم أكن أبحث عن حلول سحرية بقدر ما كنت أبحث عن إجابات حقيقية، واقعية، غير منفصلة عن العالم الذي نعيشه.

‎لم تكن كل التجارب مثمرة، فبعض من خضت معهم هذه الرحلة لم يقدموا سوى عبارات إنشائية خاوية، لكن هناك من كان مختلفًا. من بين كل ما سمعته وتعلمته، بقيت جملة واحدة محفورة في ذاكرتي: “أنتِ شجاعة جدًا!”

‎لأول مرة، أرى نفسي من خلال هذه العدسة. نعم، أنا شجاعة. ولكن، هل كنتُ مستعدة لدفع ثمن هذه الشجاعة؟
‎اكتشفت أن للشجاعة ضريبة باهظة. أن تكون شجاعًا يعني أن تربك أولئك الذين اعتادوا الخضوع. أن تكون شجاعًا يعني أن تكون عدوًا للجبناء وأصحاب العقول المحدودة. أن تقول “لا” بصوت عالٍ في وجه القطيع، وأن تتمسك بها مهما كان الثمن، هذه هي الشجاعة الحقيقية التي لا يقدر عليها الكثيرون.
“أكثر ما يكرهه القطيع هو إنسان يفكر بشكل مختلف، إنهم لا يكرهون رأيه في الحقيقة، ولكن يكرهون جرأة هذا الفرد على امتلاك الشجاعة للتفكير بنفسه ليكون مختلفًا.”
‎➖ آرثر شوبنهاور

‎الشجاعة ليست مجرد صفة عابرة، بل حالة وجودية تعيد تشكيل العلاقات حولك وربما حياتك بأكملها مع كل موقف. قد تخسرك أصدقاء، لكنها تمنحك نفسك. قد تكلفك راحة البال، لكنها تهبك قوة داخلية لا تقدر بثمن. واليوم، وأنا أسترجع تلك اللحظة التي وُصفت فيها بالشجاعة لأول مرة، أدرك أن كل الأثمان التي دفعتها كانت مستحقة. لأن الشجاعة، في نهاية المطاف، هي ما جعلتني أصل إلى هنا، وأكتب هذه الكلمات دون خوف أو تردد.
‎لو عاد بي الزمن لاخترت أن أكون أنا دائما، لتجنبت كل الذين حاولوا إحراقي في بوتقتهم محاولين تشكيلي بما يناسبهم!
‎لن أمنح الفرص الكثيرة جدا ولن يطول صبري في رحلة بائسة كنت أعلم منتهاها مسبقا بحدسي. لن أقوم بدور المنقذ لأولئك الذين لا يريدون إنقاذ أنفسهم أولا!
‎أحيانا تكون تجارب الحياة أكثر تكلفة من الدرس نفسه ولكنها الحياة يا عزيزي صعود وهبوط!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى