تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس

كتبه,: د. ابراهيم عوض
هذه العبارة وردت في حديث عن الرسول ﷺ: تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس.
ورغم أنه حديث ضعيف، لكن هناك أحاديث أخرى في هذا الجانب تُعضد فكرته،وإليكم هذه القصة لتعرفوا مقصد المثل.
يُحكى أن رجلا دخل إلى مملكة وراح يتجول في شوارعها وهو ينادي: أنا رجل سياسي، أُحِل كل المشاكل وأصالح بين المتخاصمين، أنا سياسي.
سمع الملك نداءه، وطلبه إلى مجلسه وقال له :سأعينك سايسًا على خيولي، وستهتم بفرسي الخاصة، قال له الرجل : يا مولاي أنا سياسي ولست سائسًا، وليست حرفتي تربية الخيول.
أجابه الملك: هذا أمر ملكى، اذهب واعتن بفرسي، وإلا قتلتك.
ثم أمر الملك بوجبتين للرجل، أرز وحساء (شُربة بها كل مكونات اللحوم)، في الغداء والعشاء بدلاً عن أتعابه.
باشر الرجل تربية الفرس أياما ثم هرب، فقبض عليه حرس الملك وقدموه له، سأله الملك عن سبب هروبه،فردّ الرجل: سأخبرك عن عيب فرسك، ولكن امنحني الأمان، قال الملك : منحتك الأمان، ما عيب فرسي؟ رد الرجل : فرسك ليست أصيلة، لأنها لم ترضع من حليب أمها، غضب الملك من كلام الرجل واتهمه بالكذب، وزج به في السجن، ثم أمر بإحضار السائس السابق وسأله : من أين أرضعت الفرس؟قال السايس:عندما ولدت فرسك ماتت أمها، فلم أجد لها حليبا سوى من بقرة كانت في الحظيرة، خِفت من بطشك فأخفيت عنك الخبر.
أمر الملك بإحضار الرجل من سجنه، ثم سأله:كيف عرفت بأن فرسي لم تكن أصيلة؟ قال الرجل: الفرس لا يبحث عن الكلأ والعشب، بل يحضر إليه وهو رافع رأسه، فرسك كانت تتصرف كالبقر، فتبحث عن طعامها وتطأطأ رأسها له.
أعجب الملك بفراسة الرجل، وأمر بأن يجعله مستشارًا لزوجته الملكة.
رفض الرجل هذا المنصب، لكن الملك هدده بالقتل، فامتثل الرجل لأوامره، ثم أمر الملك بتزويد الرجل بوجبة عبارة عن: دجاجتين في الغداء والعشاء.
عمل الرجل مع الملكة أياما ثم هرب، فألقى الحرس القبض عليه وقدموه للملك.
الملك : ماذا وجدت في زوجتنا الملكة حتى هربت؟ الرجل : وهل ستمنحني الأمان لو أخبرتك يا سيدى؟
الملك : نعم لك ذلك. الرجل :زوجتك ملكة، ولكنها ليست ابنة ملوك كما تتصور.
غضب الملك وأراد التحقق من الأمر، فسافر إلى والد زوجته في المملكة المجاورة، وعندما اختلى به وضع السيف على رقبته وقال له: أخبرني ما حقيقة نسب ابنتك لك، قال له الوالد: نعم هي ليست ابنتنا من صلبنا، كانت عندي ابنة عمرها عامان ماتت مريضة، وكنت قد اتفقت مع والدك على تزويجها لك عندما تكبر، عندما ماتت أحضرت طفلة من الغجر وربيتها على أنها ابنتي، ثمّ زوجتها لك.
عاد الملك إلى مملكته وسأل الرجل: كيف علمت بأصل زوجتي؟ فقال له :من طباع الغَجَر أنهم يغمزون حين يتكلمون، وزوجتك كثيرة الغمز في الكلام.
زاد إعجاب الملك بالرجل، وقرر تعيينه خادما لأمه.
حاول الرجل الهرب، لكن الملك هدده بالقتل، فما كان من الرجل إلا القبول للأمر.
ثم أمر الملك بأن يضعوا له خروفين يوميا في غدائه وعشائه.
بعد أيام هرب الرجل، ثم أحضره الحرس إلى الملك فسأله: وماذا وجدت من أُمنا؟
الرجل: وهل ستمنحني الأمان يا سيدي؟
الملك : نعم، قُل ما عندك.
الرجل : أنت لست ابن والدك الملك. غضب الملك غضبا شديدا، وأودع الرجل السجن، ثم ذهب إلى والدته وسألها عن الموضوع.
حاولت الملكة الأم التهرب من الإجابة،ثم استسلمت في نهاية المطاف معترفة وقائلة له: كان زوجي الملك عقيمًا، ومع ذلك كان يتزوج في كل عام من بنت من بنات المملكة، وبعد تسعة أشهر يذبحها إذا لم تنجب، حتى تزوجني، فاضطررت إلى معاشرة طباخ القصر فأنجبتك.
#عاد الملك إلى القصر وأمر بإحضار الرجل، ثم صرخ قائلا له: تبا لك كيف عرفت سرًا خطيرًا كهذا؟
رد الرجل : الملوك لا يكافئون بالطعام، وأنت كل مكافآتك لي كانت عبارة عن تزويد بالطعام.
أقول: كل الناس خير وبركة، هكذا نحسن الظن بالجميع ، والله خلقنا مختلفين طبعًا وشكلاً ونسبًا ومشارب، لأن في ذلك تأسيس لعمارة الأرض ،لكننا حين نختار، علينا أن نعرف أن الجينات الوراثية تتحكم في شخصية الفرد وطباعه، وأن الإنسان لا يكتسب الطباع الحميدة: كالسلوك الحسن والقلب الطيب، أو الطباع الخبيثة: كالكذب والأنانية من البيئة التي نشأ فيها،أو الأشخاص المحيطين به فحسب، بل هي خصال يكتسبها عبر الجينات الوراثية الخاصة بالأبوين أو أحد الأقارب أيضا.
أنت حين تختار شريكًا للحياة، عليك أن تحرص أن تختار ما حَسُن من الأعراق، كما أن عليك أن تعرف أنك أنت أيضًا عِرْق دُست فيك خصال بعضها يرضاها الآخرون وبعضها يتمنون تغييرها، وعليك أن تتخير في طباعك كما تسعى لتتخير في طباع غيرك.
أقول: مهما كان العرق دسّاسًا، إلا أن التربية وتزكية النفوس وتهذيبها ومحاسبتها تساعدك على امتلاك نفسك وعرقك
جَاءَ في عُيُونِ الأَخْبَارِ: عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: مَا رَفَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ بَعْدَ الإِيمَانِ بِاللهِ بِمِثْلِ مَنْكَحِ صِدْقٍ، وَلَا وَضَعَ نَفْسَهُ بَعْدَ الكُفْرِ بِمِثْلِ مَنْكَحِ سُوءٍ.
وَلَيْسَ النَّبْتُ يَنْبُتُ في جِنَانٍ
كَـمِثْلِ النَّبْتِ يَنْبُتُ في الفَلَاةِ
وَهَـلْ يُـرْجَى لِأَطْفَالٍ كَمَالٌ
إِذَا ارْتَضَعُوا ثُدِيَ النَّاقِصَاتِ.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن عائشة: تخيَّروا لنُطَفِكم ، فانكِحوا الأكفاءَ وأَنكِحوا إليهم.
أخرجه ابن ماجه ١٩٦٨.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.