هل تتدخل في حديث الآخرين؟ 5 أسباب نفسية قد لا تدركها

كتبت: د. إيمان بشير ابوكبدة
إن مقاطعة الآخرين أثناء الحديث لا تعني بالضرورة وقاحة. فقد حدد علم النفس عدة أسباب، بعضها مفاجئ، قد تؤدي إلى هذا السلوك. نستعرض فيما يلي الأسباب الرئيسية التي قد تفسر ميل بعض الأشخاص إلى مقاطعة حديث الآخرين أثناء الحديث.
أسباب انقطاع الحوارات
في السياق الثقافي المعاصر، غالبًا ما ينظر إلى مقاطعة شخص ما على أنها لفتة غير مقبولة، وتفسر على أنها شكل من أشكال التنمر أو التنافس على الهيمنة في المحادثة. مع ذلك، قد يكون حصر التحليل في مسألة الأدب أمرًا مختزلًا. يساعد التعمق في هذه الديناميكيات على تحويل التركيز من الحكم إلى فهم دوافع هذا السلوك. هذا يسمح لنا بدراسة المقاطعات بطريقة أكثر دقة وفهم التعقيدات التي تميز التفاعلات البشرية.
القلق الاجتماعي: الخوف من فقدان خيط المحادثة
بالنسبة لمن يعانون من القلق الاجتماعي، قد تبدو كل محادثة متوترة. فالضغط للتعبير عن أفكارهم بوضوح ودقة يُولّد لديهم شعورًا بالإلحاح . هذا الخوف من عدم القدرة على التواصل بفعالية غالبًا ما يؤدي إلى مقاطعة الآخرين، في محاولة للحفاظ على أفكارهم. عندما تخطر ببالهم فكرة ما، ينتابهم رغبة قوية في مشاركتها فورًا، خوفًا من أن تتلاشى. في هذا السياق، تُصبح المقاطعة استراتيجية لضمان سماع مساهمة المرء وعدم نسيانها.
علاوة على ذلك، قد تبدو فترات التوقف الطبيعية أثناء المحادثة محرجة أو فارغة ، مما يزيد من الرغبة في الكلام. وفي النهاية، يصبح هذا السلوك المُقاطع وسيلةً لتجنب الصمت واستمرار المحادثة، وهو ما قد يُنظر إليه على أنه علامة على عدم اهتمام المحاورين.
اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه والاندفاعية: عقل في حركة
لا يقتصر اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط على صعوبة التركيز فحسب، بل قد يظهر لدى البالغين من خلال طريقة معالجة الأفكار والاندفاعات التي تتسم باندفاعية ملحوظة. في هذه الحالة، يبدو أن الدماغ يعمل بمعدل أسرع من القدرة على التحكم في الكلام. فعندما تظهر الرغبة في الكلام، يبدو الأمر كما لو أن المكابح المنطقية قد أُبطلت، مما يؤدي إلى الانقطاعات. قد يجد المصابون باضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط عقولهم مكتظة بأفكار وارتباطات متدفقة بسرعة، والمقاطعة ليست وقاحة، بل محاولة لمواكبة تدفق الأفكار.
يعاني المصابون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه من تدفق مستمر من المحفزات والروابط الذهنية. وبينما يتحدث شخص ما، قد يكون لديه بالفعل محادثة كاملة تدور في ذهنه. وبالتالي، تصبح المقاطعة استراتيجية لمواكبة تدفق التواصل، وطريقة لمحاولة مواكبة وتيرة المحادثة.
النرجسية المحادثة: حوار أناني
تمثل النرجسية الحوارية ديناميكيةً أخرى مثيرة للاهتمام. في هذه الحالة، لا ينظر الشخص إلى المحادثة كتبادلٍ متبادل، بل كفرصةٍ لعرض نفسه. يميل النرجسي إلى إعادة كل موضوعٍ إلى نفسه، محولاً المحادثة إلى نوعٍ من المونولوج. في كل مرةٍ يشارك فيها شخصٌ آخر قصة أو تجربة، يراها النرجسي فرصةً لإقحام روايته الخاصة، متجاهلاً في كثيرٍ من الأحيان أهمية الشخص الآخر.
تؤدي هذه الاستراتيجية إلى مقاطعة مستمرة، حيث يحاول المرء التركيز على نفسه بدلًا من الإنصات للآخر وفهمه. قد يكون الفرق بين الاستجابة التعاطفية والنرجسية دقيقًا، لكن الأولى تهدف إلى بناء رابطة، بينما تميل الثانية إلى تدميرها لإعلاء شأن الآخر.
الأنماط الثقافية وأساليب الاتصال
لا تعتبر المقاطعات وقاحةً في جميع الأحوال. ففي بعض الثقافات، وخاصةً تلك التي تشجع على أسلوب تواصل “عالي التفاعل”، من الشائع أن يتحدث الناس في آنٍ واحد، مُكملين بعضهم بعضًا. في هذه الحالات، تعتبر المقاطعة علامةً على الحماس والمشاركة، وليست لفتةً عدائية. أما في السياقات التي يكون فيها التواصل عاطفيًا للغاية، فقد يفسر انتظار دورك على أنه عدم اهتمام.
في مثل هذه البيئات، تصبح المقاطعات مظهرًا من مظاهر التفاعل ووسيلةً لإظهار الارتباط العاطفي. وهكذا، فإن ما يعتبر غير مقبول في سياق ثقافي معين قد يكون طبيعيًا تمامًا، بل ومُقدَّرًا في سياق آخر. وهذا يبرز أهمية مراعاة الاختلافات الثقافية عند تحليل ديناميكيات التواصل.
أنماط الأسرة والتواصل المكتسب
غالبًا ما تُكتسب عادات التواصل منذ الطفولة. تلعب البيئة الأسرية دورًا حاسمًا في تشكيل أسلوب تواصل الفرد. إذا نشأ الشخص في عائلة تُعد فيها المقاطعات أمرًا طبيعيًا، فمن المرجح أن يستوعب هذا السلوك دون أن يدرك ذلك. قد تصبح المقاطعة جزءًا من أسلوب تفاعل الفرد، ليس كخيار واعي، بل انعكاسًا لما لاحظه وتعلمه خلال الطفولة.
قد تؤدي هذه الديناميكية إلى تواصل غير فعال، حيث يشعر الناس بحقهم في مقاطعة الآخرين، مما يديم دورة من المحادثات غير الفعّالة. يعد إدراك تأثير التعليم على سلوكيات تواصلنا أمرًا بالغ الأهمية لمعالجة هذه الأنماط وتغييرها.
استراتيجيات لتحسين التواصل
فهم أسباب المقاطعات ليس سوى الخطوة الأولى. ومن المهم أيضًا تبني استراتيجيات عملية لتحسين مهارات التواصل لديك .
إذا كنت تميل إلى المقاطعة، فحاول العدّ إلى ثلاثة قبل التحدث. هذا التمرين البسيط سيساعدك على فهم أن الشخص الآخر غالبًا ما يحتاج إلى لحظة لالتقاط أنفاسه.
دون أفكارك أثناء الاستماع. إذا كنت تخشى نسيان شيء ما، فاكتبه ذهنيًا أو جسديًا لتخفيف رغبتك في التعبير عن نفسك فورًا.
بدلًا من الانطلاق في الكلام، حاول طرح الأسئلة . هذا من شأنه أن يحوّل التركيز إلى الشخص الآخر ويعزز حوارًا أكثر توازنًا.
إذا كنت تقاطع باستمرار، فاستخدم عبارات شخصية للتعبير عن حاجتك للمساحة. عبارات مثل “أود أن أكمل فكرتي” قد تكون أكثر فعالية من الاتهامات المباشرة.
استخدم إشارات غير لفظية للإشارة إلى رغبتك في مواصلة الحديث. إيماءة بسيطة قد تسهّل التواصل.
ناقش مشاعرك مع الشخص الذي يقاطعك، ولكن افعل ذلك في لحظة هدوء لتجنب أي صراع غير ضروري.
إن إدراك دوافع المقاطعات قد يؤدي إلى محادثات بناءة ومحترمة. إن تعميق التفاهم المتبادل لا يحسن جودة الحوار فحسب، بل يعزز أيضًا علاقات أقوى وأكثر جدوى.