مقالات

اعترافات بطيخة

 

بقلم السيد عيد

 

ها أنا ذي، بطيخة عجوز، مرمية في آخر رف التلاجة، بين علبة لبن منتهية الصلاحية وجبنة قريش ما عادت قريشية. أرتعش من البرد مش لأن الجو ساقع، لا… عشان قلبي مكسور!

كنت زمان أيقونة الصيف، سلطانة السوق، عميدة المزروعات ذات القشرة اللامعة والوزن اللي بيخلّي الميزان يصرخ من تحتيا. البنات بيحطوا صوري على ستوري إنستجرام، والرجالة بيهزروا عليّ: “بطيخة ولا قمر 14؟”

كبرت تحت الشمس الساطعة، والدنيا بتقول لي: “انتي نجمة يا بطوطة!”

لكن كل ده راح لما جِه واحد عند البائع وقاله:

– يا عم حسين، عايز واحدة تبقى قنبلة!

وأقسم بالله، أول مرة أحس إنهم بيشتروا قنابل مش فاكهة!

نقلني في عربية نص نقل، حاطط فوقي شوالين بطاطس وطفل بيعيط. دخل البيت زي صلاح الدين راجع من حطين، وقال لمراته:

– بصي يا سوسو، لو دي طلعت قرعة… إنتي هتطبخي بامية أسبوع!

البنت الصغيرة قربت تهمس:

– ريحتها لذيذة يا بابا…

رد عليها جدها:

– لأ، دي وشها حلو

وأهو السكين نزل، وخلاص، وغرز في قلبي.

أنا بطيخة من بره هيفا، ومن جوه… بطيخ!

لا سكر، لا لون، لا طعم… بس كتير مية، لدرجة إن الشوكة كانت بتغرق وهي داخلة.

الأسرة وقفت دقيقة صمت، مش احترامًا… لأ، عشان مش عارفين يشتموا يقولوا إيه.

واحد قال:

– البياع ده نصاب!

والتاني قال:

– إحنا اتعملنا عمل!

والتالت قال:

– دي مرشحة لمجلس القرع الأعلى!

ولقوني بعد نص ساعة مرمية في التلاجة جنب خيار نايم وموزة بقشرة سودا، حاسة بالإهانة.

حتى القط رفض يأكل مني، وكتب لي على الحيطة: “مش أي وش حلو… يبقى طيب من جوه!”

بكتب لكم وصيتي دلوقتي على قشرتي اللي اتجلدت من كتر الخبط:

“يا بشر… كفوا عن الطَرق! البطيخة مش طبلة، ومش كل حاجة تتعرف بالصوت. وخلّوا عندكم دم.”

وأخيرًا، يا من تشتري البطيخ على أساس الوزن والملمس… اعرف إن الجمال مش دايم، والطعم مش مضمون، والخيانة دايمًا جاية من جوّه!

وداعًا أيها الصيف… وابقى قابلني لو شفتوني عصير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى