مقالات

التجاهل حياة

 

 

بقلم / عادل النمر

 

وسط زحام الحياة وصخبها الذي لا ينتهي، يصبح التجاهل مهارة ضرورية للنجاة. التجاهل ليس ضعفا، بل هو فن يحتاج إلى تدريب طويل وجهاد للنفس بقوة وإرادة. وهو السبيل نحو الصفاء النفسي وراحة البال.

كثيرون يعيشون أسرى لآراء الآخرين وكلامهم، يسعون بكل طاقتهم لإرضاء الجميع والظهور بأفضل مظهر، حتى يقعوا في دائرة مفرغة من القلق والإرهاق النفسي. الإنسان الذي يتقن فن التجاهل يدرك أن ما يقوله الآخرون عنه يعبر عنهم هم، وليس عنه، وأن كل شخص يحكم انطلاقا من تجاربه ونقصه أو امتلائه الداخلي. ليس مطلوبا منك أن تتغير لتنال إعجاب أحد أو تتحدث أو تتصرف بطريقة ترضي الناس. من يحبك حقا، سيحبك كما أنت دون قيد أو شرط.

التجاهل الذكي يحررك من قيود القلق والتفكير المفرط، ويجعلك تعيش لحظتك بصفاء وفرح حقيقي. آراء الآخرين، سواء كانت مديحا أو ذما، لا تعبر عن حقيقتك، بل عنهم. الشخص الإيجابي يدعمك ويشجعك، بينما السلبي لا يرى إلا ما يود تحطيمه. لذا احرص على مرافقة من يزرعون فيك الحماس والإيجابية، وابتعد عن أولئك الذين يملأون حياتك طاقة سلبية وهواجس بلا معنى.

لا تجهد نفسك في محاولة إرضاء الجميع، فهذه مهمة مستحيلة. عش حياتك كما تريد، وفق قناعاتك وقيمك، وتذكر أنك تعيش مرة واحدة فقط، فلا تهدرها فيما لا يفيد. لا تدع ملاحظات الناس أو انتقاداتهم تأخذ مساحة من تفكيرك ووقتك. كلما تجاهلت القيل والقال وأقبلت على حياتك، ازددت صفاءً وحرية.

تقبل عيوبك الطبيعية بصدر رحب، وكن واعيا بقدراتك وحدودك. فكلما أحببت نفسك كما أنت، قلت تأثرك بما يقال عنك. اجعل ثقتك بنفسك درعا يحميك من سهام النقد الجارح، ولا تمنح أحدا سلطة أن يحدد قيمتك أو يهز ثقتك بنفسك.

إذا قابلت نقدا صادقا من شخص مخلص، فاستفد منه وطوره لصالحك. أما الحاقدون فسيحاولون النيل منك جهرا أو خفية، فلا تلتفت إليهم. الحكمة تقتضي أن تميز بين الناقد الذي يريد لك الخير، والحاقد الذي يتمنى لك السقوط.

في العلاقات العاطفية أيضا، قد يكون التجاهل الذكي وسيلة لإحياء المشاعر. فبعض التجاهل، إذا جاء بذوق، يعيد لفت الانتباه ويزيد الشوق.

اعلم أن بعض التجاهل اهتمام، وبعض الصمت حكمة، وبعض التسامح ذكاء، وبعض الكلمات دواء. إذا أتقنت فن التجاهل، فقد اجتزت بحكمة معظم مشاكل الحياة، وحققت لنفسك هدوءا داخليا لا يقدر بثمن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى