تقنيات مراقبة المكامن في الحقول الناضجة

 

بقلم د. نبيل سامح

المقدمة

تشكل الحقول الناضجة نسبة كبيرة من الإنتاج العالمي للنفط والغاز، حيث إن كثيراً من هذه الحقول تجاوز عمرها الإنتاجي 60–70% من المتوقع. وتواجه هذه الحقول تحديات كبيرة مثل انخفاض ضغط المكمن، وزيادة نسبة الماء المنتج، وتراجع معدلات الإنتاج، إضافة إلى صعوبة تحديد الكميات المتبقية من الاحتياطي القابل للاستخراج.

لذلك تُعد مراقبة المكمن (Reservoir Surveillance) أداة أساسية لإدارة المكامن الناضجة بفعالية، حيث تتيح جمع وتحليل بيانات ديناميكية تساعد على فهم سلوك المكمن مع الزمن، وتشخيص المشاكل الإنتاجية، وتحسين خطط التطوير، ودعم تطبيق تقنيات الاستخلاص المعزز (EOR).

أهداف مراقبة المكامن في الحقول الناضجة

تشمل الأهداف الرئيسية لبرامج المراقبة ما يلي:

1. متابعة تغيرات الضغط والتشبع

مراقبة انخفاض الضغط وتأثيره على كفاءة الاستخلاص.

تحديد حركة التلامسات بين النفط/الماء والغاز/النفط.

2. فهم الأداء الإنتاجي للآبار

التمييز بين مشاكل المكمن ومشاكل البئر.

تحديد أسباب انخفاض الإنتاجية.

3. تقييم كفاءة طرق الاستخلاص

قياس فعالية الحقن بالماء أو الغاز أو طرق EOR الأخرى.

4. تحسين إدارة المكمن

تحديث النماذج الديناميكية وتوجيه القرارات التطويرية بناءً على بيانات حقيقية.

أنواع بيانات مراقبة المكامن

البيانات الساكنة (Static Data): مثل سجلات الآبار (Logs) والتحاليل اللبّية (Core Analysis) والنماذج الجيولوجية.

البيانات الديناميكية (Dynamic Data): مثل الضغوط، معدلات الإنتاج، نسب السوائل، والقياسات الزلزالية الزمنية.

الحقول الناضجة تعتمد بدرجة أكبر على البيانات الديناميكية لفهم التغيرات المستمرة في سلوك المكمن.

تقنيات مراقبة المكامن

4.1 اختبارات الآبار (Well Testing)

اختبارات الضغط العابر (PTA) لقياس النفاذية وعامل الجلد وحدود المكمن.

اختبارات التداخل (Interference Tests) لتحديد الاتصال بين الآبار.

اختبارات الانخفاض والبناء (Drawdown/Buildup) لتقييم الظروف حول البئر.

4.2 أدوات تسجيل الإنتاج (Production Logging Tools – PLT)

تحديد المساهمات النسبية لكل طبقة منتجة.

تشخيص مناطق إنتاج الماء أو الغاز غير المرغوب.

تقييم نجاح عمليات العزل أو التحفيز.

4.3 اختبارات التتبع (Tracer Tests)

استخدام مواد كيميائية أو مشعة لتتبع حركة الموائع.

قياس الكفاءة الحجمية للحقن وكشف المسارات ذات النفاذية العالية.

4.4 الزلزالية الزمنية (4D Seismic)

مراقبة حركة جبهة الماء أو الغاز على نطاق واسع.

متابعة تغيرات الضغط والتشبع في المكمن.

4.5 مراقبة الضغط الدائم

أجهزة القياس الدائم (Permanent Downhole Gauges – PDG).

تتيح بيانات مستمرة للضغط ودرجة الحرارة.

4.6 الألياف البصرية (Fiber Optics – DAS/DTS)

مراقبة توزيع التدفق على طول الآبار الأفقية أو المتعددة الفروع.

الكشف المباشر عن التغيرات في الإنتاج أو الحقن.

4.7 مراقبة آبار الحقن

أدوات تسجيل الحقن لتحديد توزيع المياه أو الغاز داخل الطبقات.

تساعد على معالجة مشاكل الانحراف في أنظمة الحقن.

4.8 المراقبة السطحية وتحت السطحية

عدادات الجريان متعدد الأطوار (MPFM).

التكامل مع أنظمة الحقول الرقمية (Digital Oilfields).

استراتيجية المراقبة في الحقول الناضجة

1. جمع بيانات خط الأساس قبل البدء ببرامج EOR أو عمليات التطوير.

2. المتابعة الدورية عبر اختبارات الآبار وعمليات PLT بشكل منتظم.

3. تكامل البيانات مع النماذج العددية لتحسين التنبؤ بأداء المكمن.

4. توجيه خطط التطوير مثل الحفر الموجه أو عمليات Workover.

5. التحول الرقمي باستخدام الحساسات الذكية والمنصات السحابية والذكاء الاصطناعي.

التحديات في مراقبة الحقول الناضجة

قيود اقتصادية بسبب انخفاض عوائد الحقول القديمة.

تعقيد الآبار الأفقية والمتعددة مما يصعّب تفسير بيانات PLT.

صعوبة تكامل البيانات بين الفرق الجيولوجية والهندسية.

تدهور البنية التحتية ما يقلل من دقة القياسات.

مثال تطبيقي (دراسة حالة مختصرة)

في أحد الحقول الكربوناتية بالشرق الأوسط (أكثر من 30 سنة إنتاج):

اختبارات التتبع كشفت مسارات سريعة ل breakthrough المياه.

الزلزالية الزمنية أوضحت مناطق غنية بالنفط لم تُستغل بعد.

أجهزة الضغط الدائم مكنت من متابعة الضغط بدقة.

أدت النتائج إلى حفر آبار infill وإجراء عمليات عزل، مما زاد الاستخلاص بنسبة 5% من OOIP.

الاتجاهات الحديثة في مراقبة المكامن

1. النماذج الرقمية التوأمية (Digital Twins).

2. استخدام الذكاء الاصطناعي في تفسير بيانات الضغط والإنتاج.

3. التتبع النانوي (Nano-Tracers) لمسارات أدق للسوائل.

4. أنظمة المراقبة الذاتية المستقلة والمستدامة.

الخاتمة

تظل مراقبة المكمن حجر الزاوية لإدارة الحقول الناضجة، فهي أداة للتشخيص، واتخاذ القرارات، وتحسين خطط التطوير. إن الجمع بين التقنيات التقليدية (اختبارات الآبار، PLT، التتبع) والتقنيات الحديثة (الزلزالية الزمنية، الألياف البصرية، التوأم الرقمي، الذكاء الاصطناعي) يوفر فهماً أعمق للمكمن ويتيح استغلال الاحتياطيات المتبقية بكفاءة.

الحقول الناضجة ستبقى المساهم الأكبر في الإنتاج العالمي، وبالتالي فإن استراتيجيات المراقبة المتطورة تمثل العامل الحاسم لإطالة عمر هذه الحقول وضمان استدامة إنتاجها الاقتصادي.

بقلم د. نبيل سامح

مدير تطوير الأعمال في شركة نيلكو-

مدرب بترولي دولي معتمد

أستاذ في العديد من شركات ومراكز التدريب والاستشارات، منها إنفايرو أويل، أكاديمية زاد، وديب هورايزون

محاضر في جامعات داخل مصر وخارجها

كاتب مقالات في قطاع البترول لمجلتي Petrocraft و Petrotoday

Related Posts

عالم الهرمونات في جسم الإنسان

كتبت/ رانده حسن الهرمون ( Hormone) هي مواد كيميائية يفرزها الجسم لتنظيم أنشطة الجسم المختلفة، وللحفاظ على التوازن في الجسم من خلال إطلاقها في مجرى الدم، أو لتنتشر من خلال…

بتروفيزياء السجيل: التحديات والحلول

يكتب د/نبيل سامح 1.المقدمة ظهرت مكامن السجيل كأحد أهم الموارد غير التقليدية في صناعة البترول الحديثة. وعلى عكس المكامن التقليدية من الحجر الرملي أو الكربونات، يتميز السجيل بمساميته المنخفضة جدًا،…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *